كي لا تتكرر فاجعة مرفأ بيروت… خطوات استباقية من مصلحة الليطاني لحماية بحيرة القرعون
طرح الإنفجار الكارثي في مرفأ بيروت جملة من التحديات حيال المرافق العامة في لبنان وسبل حمايتها، لا سيما منها المنشآت الإستراتيجية، كي لا يتجرع لبنان مرة جديدة من كأس الفوضى والتسيب والإهمال، موتا ودمارا، فيما دماء ضحايا بيروت لم تجف بعد، وفيما الخراب يعم وسط معاناة لم تبرد بعد، ولن تبرد في وقت قريب، فالحدث جلل وما هدم في ثوان معدودات يتطلب بناؤه سنوات.
ثمة الكثير من المرافق والمنشآت الإستراتيجية ما تزال دون حماية أمنية مطلوبة اليوم ودائما، فمن يضمن ألا تتعرض منشأة لعمل تخريبي؟ فضلا عن أن الهواجس بدأت تكبر عقب ما تعرض له المرفأ، ما يستدعي إجراءات حاسمة وسريعة، خصوصا لجهة تأمين عناصر من أجهزة أمنية مختصة مهمتها السهر على منشآت يمكن أن تكون عرضة لحادث عرضي أو مفتعل، وهذا الأمر يطرح مرة جديدة توظيف عناصر الأمن لخدمة المسؤولين وزوجاتهم وعائلاتهم، علما أن أي رجل أمن من غير المقبول بعد اليوم أن يتسوق لصالح زوجة وزير أو نائب، أو أن يوصل أبناء زعيم إلى المدرسة والجامعة، فضلا عن مواكب تضم “جيشا” من المرافقين تعرض حياة الناس للخطر.
سد القرعون
في هذا السياق، أثارت “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني”، وعقب كارثة المرفأ مباشرة موضوع سد القرعون، خصوصا وأن أنفاقه غير مُحكمة الإغلاق وهو خارج أي حراسة أمنية، كما أن مفيضه خارج منطقة المراقبة، كذلك الأمر بالنسبة لرأسه من الجانب الشرقي والجانب الغربي وحرمه وهو يشكّل مواقع للتجمّعات، باختصار هذا هو حال السد المهمل من قبل الوزارات المعنية والمتروك مصيره لمصلحة الليطاني من أجل حمايته في ظل نقص كبير في عدد المستخدمين والمياومين في المصلحة.
تحيط بمنطقة السد مناطق وعرة، وسط تداخل أمني وفوضى، فضلا عن أن سد القرعون منشأة استراتيجية وطنية تحتوي على مخزون مياه ضخم (220 مليون متر مكعب) وهو من اهم السدود في المنطقة العربية، إذ يصل ارتفاعه الى 62 مترا وطول قمته 1100 متر، من السدود الركامية مع واجهة خرسانية بمساحة 50 ألف متر مربع، وهو ذو أهمية اقتصادية كبرى كونه مصدر أساس لمياه مشاريع الري وتوليد الطاقة الكهرومائية، وهذه المشاريع تصب في خدمة الوطن والمواطن على جميع الصعد السياحية، الزراعية والاجتماعية.
ولا يقتصر الحال هذا على القرعون فحسب، فالمنشآت الاستراتيجية الأخرى كمعامل انتاج الطاقة الكهرومائية (معمل إبراهيم عبد العال _ مشغرة ومعمل بول أرقش _ بسري ومعمل شارل حلو _ علمان) هي أيضا لم تعد محمية بعد القرارات والتعاميم والتدابير الصادرة من الجهات الأمنية والعسكرية بسحب وحداتها من منشآت المصلحة.
علوية
في هذا السياق، قال مدير عام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني الدكتور سامي علوية لـ “أحوال”: “كانت المصلحة قد دقت ناقوس الخطر مبكرا، وتحديدا منذ العام 2016، وراسلت قائد الجيش العماد جوزيف عون من أجل إعادة نقاط الحماية الى المنشآت التابعة لمصلحة الليطاني”، مضيفا انه “في العام 2019 عدنا وطلبنا من وزير الدفاع الياس بو صعب حينها الطلب نفسه معللين السبب بخطورة الامر، خصوصا وان الانفاق تمتد تحت المنازل على طول 17 كيلومترا واحتمال حصول أي عمل تخريبي سيقتل الآلاف من السكان”.
وأشار علوية إلى أن “بو صعب قدم اقتراحا قضى بأن تستعين مصلحة الليطاني بحراس ينبهون الجيش لأدنى المخاطر مع تأكيده على تدخل سريع من القوات العسكرية اذا تطلب الأمر”، لافتا إلى أن “هذا الاقتراح لم يكن قابلا للتطبيق، فمن المتعارف عليه دوليا ان هذه المنشآت تقع حمايتها على عاتق القوى الأمنية وليس على موظفين وحراس عاديين وهم غير متوفرين أصلا بسبب النقص في عديد الموظفين”.
وتابع علوية: “حذرت من خطورة أي عمل تخريبي لسد القرعون والأنفاق التابعة له، وراسلت في هذا المجال كلا من وزير الدفاع الوطني ووزير الداخلية والبلديات وامين عام مجلس الدفاع الاعلى وقيادة الجيش اللبناني ومدير عام امن الدولة، وأكدت على وجوب الاهتمام بموضوع هذه المنشآت وتكليف الأجهزة المعنية الحماية بشكل عاجل لضمان سلامة الامن القومي والنظام العام والخدمات العامة”.
وأردف علوية: “قام المجلس الأعلى للدفاع مؤخرا بدراسة التحذيرات السابقة حول الكوارث المحتملة في المنشآت الوطنية، ومن بين التقارير كان تقرير فني لافت للانتباه أعدته إحدى المنظمات الدولية حول الآثار والمخاطر في حال انهيار سد القرعون والذي جاءت نتائجه مرعبة”.
وأكد أن “المصلحة كررت طلبها بضرورة الموافقة على انشاء مراكز حماية امنية لمنشآت المصلحة بالإضافة الى الدوريات والاستعلام والتحري في سد القرعون ومداخل الانفاق التابعة له ومعامل توليد الطاقة الكهرومائية، وذلك لتفادي أي خرق أمنى يهدد السد والسلامة العامة”، وشدد علوية على أن “المصلحة اكدت استعدادها لتأمين كافة المستلزمات اللوجستية لفرق الحراسة”.
الوكالة الأميركية للتنمية الدولية
وما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال، هو التقرير الذي أعدته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، والتي أشارت إلى أنه في حال انهيار السد ستنشأ موجة هائلة تصل الى ارتفاع 40 متراً وعرض 200 متر وتنخفض الى مستوى 6 أمتار عند المصب وسيكون معدل التصريف 50 الف متر مكعب في الثانية (للإطلاع على التقرير الرابط في نهاية المقال)، وهذه الموجة ستصيب اهدافاً مدنية وعسكرية وامنية على السواء، لا سيما منطقة القرار 1701 ما يثير القلق والمخاوف من احتمال تعرض السد لعمل إرهابي نتائجه مدمرة وكارثية في بلد لا تزال فيه مخاطر الخرق الأمني مرتفعة وواردة، على غرار ما حصل في مرفأ بيروت في الرابع من الشهر الجاري.
المجلس الأعلى للدفاع
وبموجب برقية من المجلس الأعلى للدفاع الى مختلف الأجهزة الأمنية تم الكشف على منطقة السد وتحديد الثغرات ونقاط الضعف ومناطق الحماية وحددت تدابير الامن الوقائي والمسافة الآمنة للأنشطة العادية، بالإضافة الى تثبيت نقاط حراسة في الجهة الشرقية والتعزيز مستمر من الجهة الغربية وفيما يتم نقل بعض المنشآت المدنية. وهذا ما أعلنت عنه المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في بيان لها واشارت انها باشرت بمؤازرة من جهاز امن الدولة إزالة بعض المنشآت المخالفة التي تتسبب بتجمعات عند مداخل الانفاق وفوق السد من الجهة الغربية، ولفتت المصلحة في بيانها ان هذه الاجراءات قد قابلها تهجم من المخالفين وتهديد باستعمال السلاح لمنع الاجراءات وهي لا تزال تتعرض للعرقلة.
فاديا جمعة